تابعت مشاهد الاحتجاجات في الولايات المتحدة الأمريكية على إثر قيام شرطي عنصري أبيض بقتل شاب (زنجي) خنقاً. فتذكرت أحداث فيلم (غير قابل للإيقاف) التي تتحدث عن قطار مسرع خرج عن السيطرة، في حين يحاول بطلا الفيلم فرانك بارنز (دنزل واشنطن) وويل كولسون (كريس باين) إيقافه. بعد مغامرة شاقة يستطيع البطلان (الزنجي) و(الأبيض) إيقافه بنجاح.

لقد عالجت السينما الأمريكية قضية العنصرية والرقّ والتمييز في عديد من أفلامها الشهيرة والتي يعدّ بعضها من روائع السينما ونالت شهرة واسعة، لكن على ما يبدو فإنها لم تساعد السياسيين في أمريكا على التخلص من العنصرية والتمييز والجشع الرأسمالي الامبريالي. وبمناسبة الحديث عن الافلام المذكورة يمكن ذكر الأحداث الشهيرة في أمريكا التي اندلعت على إثر ادعاء زوجين في 16 تموز 1949 أنهما تعرّضا لهجوم من قبل أربعة شبّان من أصل إفريقي في غروفلاند. حيث أسفر الهجوم بحسب ادعائهم عن اغتصاب الفتاة نورما بادجيت التي كانت آنذاك تبلغ من العمر 17 عاماً. كان حادثًا مروّعًا ومن أكثر الحوادث الدامية بين (البيض) و(السود). تم تعذيب أحد المتهمين(الزنوج) حتى الموت ووجدت في جسده آثار 400 رصاصة. بعد 70 عاماً تمت تبرئة المتّهمين وأفادت المحكمة أن كلّ ما نسب إليهم من تهم كان باطلاً. كما تبيّن أن القصة برمتها كانت قضية عنصرية، من تأليف قائد شرطة المدينة ويليس ماكال، الذي كان من أشدّ العنصريين.

“جميع الناس يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق”.

المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

منذ 1949 بدأ العالم الاحتفال في 2 ديسمبر بـ”اليوم العالمي لإلغاء الرقّ”، الذي يهدف إلى القضاء على كل أشكال الرقّ والعنصرية، حيث أقرّته اتفاقية الأمم المتحدة. لكن قطار الاستعباد والاستعمار الأمريكي والغربي استمر بأساليب أخرى حديثة ومتطورة.

بعد انتهاء فترة الرئيس الأمريكي الإفريقي الأصل باراك أوباما انتخبت أمريكا رئيساً عنصرياً وتاجراً جشعاً يدعى دونالد ترامب. لا يُخفي عنصريته وعجرفته حتى ضدّ حلفاء الولايات المتحدة. إذ يتعامل معهم بعقلية التاجر البلطجي وزعيم المافيا. وهو لغاية الآن يرفض توجيه خطاب للشعب الأمريكي حول الأحداث العاصفة التي تدور في مدن الأمريكية. لقد دمّر المتظاهرون نصباً تذكارية عديدة منها لجورج واشنطن مؤسس أمريكا ولكرستوفر كولومبس مكتشف أمريكا. وكلاهما عنصريان دمويّان ساهما في إبادة الهنود الحمر سكان البلد الأصليين.

عرفت أمريكا أبشع أنواع الرق والعبودية في التاريخ البشري الحديث، فبعد إبادة السكان الأصليين الهنود تم استعباد (السود). حيث جُلب الأفارقة لاستعبادهم بشكل همجي لا مثيل له. سيبقى هذا العمل الإجرامي اللاإنساني وصمة عار تقبح وجه أمريكا حتى الأبد.
إن اظهار الأمر وكأنّ هناك مساواة فعلاً بين السكان في الولايات المتحدة لا ينطلي على أحد. إذ لا زالت هناك فوارق كبيرة بين الجانبين في كل مجالات الحياة. حتى أن وباء كورونا حصد الكثير من (السود) بسبب الإهمال وانعدام الرعاية من قبل الدولة. كما يدلّ التعامل العنصري للشرطة الأمريكية مع (السود) على مر السنين وحتى حادثة قتل جورج فلوريد مؤخراً على استعداد النظام الرأسمالي العنصري لقتلهم بكافة الأساليب وبدون الشعور بالذنب أو الرجوع للعدالة وللقوانين.

ليس أسهل من أن يكذب الانسان حين يصف الولايات المتحدة الأمريكية بحامية وضامنة العدالة والديمقراطية والسلام في العالم. تلك الكذبة وجدت لها مكانة كبيرة وسط شعوب أوروبا الشرقية بالذات، حيث كانت تحكم أنظمة حكم شمولية، ساهمت في تكريه الشعوب تلك بالشيوعية والاشتراكية وفي انجرارها وراء الدعاية الامبريالية والرأسمالية. يبدو أن تلك الشعوب ستنتظر طويلا حتى تعرف أن نظام الارهاب والعنصرية الأمريكي أسوأ بكثير من النظام الشمولي الذي قمعها سواء عبر منع الناس من التملك والحركة وحتى اقتناء أبسط الأشياء مثل جواز السفر والسيارة.

على كل حال موضوعنا الآن عن العنصرية والاستعباد والتمييز والظلم في أمريكا، حيث منذ تأسيس الامبراطورية الأمريكية على عظام وجماجم سكانها الأصليين من الهنود الحمر، الذين أبيدت غالبيتهم العظمى أما بالأوبئة أو رميًا بالرصاص من الرشاشات الثقيلة. كل تلك المذابح وعمليات الإبادة تمت على أيدي الغزاة والمستعمرين البيض القادمين من أوروبا وممالكها آنذاك للعثور على أرض الميعاد، لكنها أرض لم تكن لهم ولم يفكر شعبها يومًا ما بميعاد مشترك مع الغزاة المجرمين الذين على أيديهم كانت إبادته ونهايته. ميعاد مع الإرهابي والسفاح الأول كولومبوس وصولا الى جورج واشنطن وتباعاً حتى يومنا هذا حيث يحكم رئيس عنصري وشخص استعلائي، تاجر رأسمالي اسمه ترامب، يعادي البشرية والحضارة العالمية.

أمريكا أرض الميعاد “لشعب الله المختار” أي لمن اعتبروا أنفسهم كما الصهاينة المحتلين في فلسطين شعباً بلا أرض استطاع أن يؤسس وطنا للشعب المختار. تأسست أمريكا في البدء بالدم والحديد والنار، عبر مجموعات من المجرمين وقطاع الطرق الذين وصلوا الى أرض الهنود الحمر. وبنفس الطريقة تأسس الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، الذي حظي ولازال يحظى بكل الدعم الأمريكي والغربي. لأنه يمثل قاعدة متقدمة للاستعمار العالمي الرأسمالي الامبريالي في بلادنا. نفس هؤلاء عندما تمكنوا من إبادة الهنود أخذوا يبحثون عن (الزنوج) الأفارقة حيث تمت عمليات اختطافهم من بلدانهم الأصلية وجلبهم للخدمة والعمل كعبيد لدى السادة البيض حيث تم اضطهادهم على مدار سنوات طويلة. على كل حال إن الهبّة الشعبية الأمريكية على إثر الجريمة لن تنجح بدون إيجاد قيادة تمثلها وتعد لها برنامج عمل واضح للتغيير وتحقيق مطالبها والإطاحة بالإدارة الأمريكية الحالية، ثم العمل على تغيير النظام الأمريكي إلى نظام إنساني وديمقراطي حقيقي وغير عنصري.