يشغل مشروع دولة الاحتلال الجديد ضمّ أراضٍ ومستوطنات في غور الأردن إلى مساحة أراضي الكيان حيّزًا واسعًا من الاهتمام والمتابعة والتغطية في مختلف المجالات. لهذا القرار إن نُفّذ تبعات ستكون ثقيلة على مستوى الداخل كما على مستوى المحيط العربي والإقليمي، وسيترك أثرًا حتى على مستوى التعاطي العالمي مع الكيان.

داخليًّا

فعلى مستوى الداخل الفلسطيني، بدأ الاحتلال من جهته مفاعيل قراره الأخير، فأطلق مجموعة خطوات قانونية وتشريعية مواكبة لمشروع الضم فيما ذكرت مواقع إسرائيلية شبه رسمية أن وزير الحرب بني غانتس طلب من قائد أركانه وكادره العسكري العمل على تجهيز الجيش للتحدي الجديد، بدأت من تأسيس وحدة استخبارية أمنية خاصة بالمناطق المزمع ضمّها تشمل مهماتها البحث والتحرّي والتحقيقات حول قضايا تهريب البضائع والعمال بين جهتي “الحدود” وكشف مخططات العمليات الفدائية واعتقال المشتبه بهم للقيام بعمليات ضد الاحتلال.
كذلك ينوي غانتس تعيين مسؤول خاص لغرفة جديدة تضم طواقم عمل مشتركة بين وزارة الحرب والجيش والأمن لتنسيق جميع الإجراءات المتعلّقة بقرار الضم ومتابعة تفاصيلها. قي المقابل ومن الجهة الفلسطينية قامت السلطة بتصعيد موقفها بإعلان التوجه نحو وقف حقيقي للتنسيق الأمني، برغم تشكيك البعض بمدى قدرة السلطة على قطع التنسيق بشكل واقعي فيما يسيطر الاحتلال على الضفّة اقتصاديّاً وأمنيّاً.
الفعاليات في الضفة بدأت تنحو منحى مواجهة شعبية لقرار الضم، عبر تفعيل المبادرات الجماهيرية ضدّ أي شكل من مفاعيل القرار وترتيبات قوات الاحتلال المرتبطة به. كذلك تصاعدت وتيرة العمل الثقافي والتوعوي عبر المنصات الإلكترونية ضدّ هذا المشروع وتبعاته وما يتطلّبه من مواجهة وصمود ووعي.
بدورها حركة حماس في قطاع غزة دعت الفصائل جميعها إلى إعلان استنفار شعبي تحضيرًا لمواجهة أي تحرك إسرائيلي باتجاه تنفيذ خطة الضم الجديدة، فيما عبّرت فصائل أخرى أيضًا عن التزامها بكل ما تتطلّبه مواجهة هذا المشروع الاستيطاني التوسعي.
في الوقت الذي بدأت فيه العديد من الجمعيات الفلسطينية الناشطة على صعيد حقوق الشعب الفلسطيني على مستوى العالم حملةً كبيرة ضدّ هذا المشروع للضغط على الحكومات العالمية والمؤسسات الدولية من أجل التدخّل لإيقافه.

عربيًّا

تعتبر الأردن وجمهورية مصر العربية المعنيين الأساسيين بقرار الضم عربيّاً. ولا شك أن النصيب الأكبر هو للأردن الذي يشمل قرار الضم مناطق في الصفة الغربية يعتبرها تاريخيًّا عمقًا استراتيجيًا للبلاد وبقيت تعتبر واقعة تحت سلطته وإشرافه بعد الاحتلال. فبحسب تصريح رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو أنّ الخطة ستضمن “السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت وجميع البلدات اليهودية في يهودا والسامرة والأراضي الواسعة التي تحيط بها”. هذا يعني تغيّرًا في ديمغرافيًّا وسياسيًّا لطبيعة الحدود بين فلسطين والأردن، وتمدّد إسرائيلي جديد باتجاه الأراضي الأردنية، التي يشارف على المساس بها.
أمّا مصر، فمشكلتها مع قرار الضمّ أنّه لا يمكن أن يمرّ دون مواجهة كبرى بين الفلسطينيين والاحتلال، وهذه المرة لن تكون مقتصرة على غزة دون سواها بل تنطلق من اعتداء إسرائيلي صارخ على مناطق الضفة الغربية. وبالتالي فإن هذا التصعيد سينعكس حتمًا على الحدود المصرية في سيناء وربما على الداخل المصري كذلك. فمصر هي الرئة التي تتنفّس منها غزة ومعظم الأراضي الفلسطينية، وأي انفجار للوضع الفلسطيني ستطال ارتداداته الداخل المصري سياسيًّا وشعبيًّا وأمنيًّا.
هذا فيما يستمرّ عدد كبير من أنظمة الحكم العربية بالسير في إجراءات تطبيع العلاقة مع الكيان الصهيوني. ويفترض في أي صفقة أن يكون الطرفان مستفيدين منها، فما الذي يبقى من حجج أمام الأنظمة العربية للتطبيع أمام شعوبها والرأي العام العربي يرى بعينه كيف ينسف الاحتلال كل سنوات التنسيق الأمني معه من قبل السلطة في الضفة ليبدأ العمل من أجل نكبة فلسطينية ثانية، ضاربًا عرض الحائط كلّ الاتفاقيات والتعهّدات والقوانين الدولية؟

دوليًّا

ينظر إلى قرار الضم من قبل دول العالم بلحاظ أثره على السياسة العالمية كما بلحاظ زاويته الحقوقية والإنسانية عند العديد من الجهات الدولية. قرار ضمّ الغور سيعني حتمًا مزيدًا من التأزّم على مستوى القضية الفلسطينية، تأزّم لا يبدو أنّ العالم اليوم، بغض النظر عن مواقف الدول من الحق الفلسطيني، مستعدّ للخوض فيه. العالم اليوم يغرق في تبعات فايروس كورونا الذي لا زال يحصد الآلاف من الأرواح يوميًا حول العالم ويهدد بحصد اقتصاديات دول عظمى وهزّ عروش إمبراطوريّات تجارية وصناعية قد تعني كوارث على مستوى البطالة والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية لهذه الدول. الاتحاد الأوروبي اليوم يدخل في أزمة وجود بعد أن أثبت كورونا أنّ دولًا مثل إيطاليا وإسبانيا عانت الأمرّين من أجل الحصول على فتات مساعدات من دول الإتحاد الغنية. الولايات المتحدة بين سندان كورونا ومطرقة العنصرية والاحتجاجات الشعبية وتقف على جبهة جديدة بدأت نيرانها تلتهب ودخانها يتصاعد مع الصين شرقًا فيما يسعى ترامب للحفاظ على مكتسباته قبل الانتخابات القادمة. إيران وروسيا كذلك منشغلتان إلى حدّ كبير بمواجهة الوباء وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية، ومن هذا المنطلق يستقرئ الإسرائيلي لحظة فراغٍ على مستوى السياسة العالمية قد تعني إمكانية استغلاله لانشغال العالم بالوباء وتمريره لقرار هو دون أدنى مبالغة نكبة ثانية بكل المقاييس. هذا الانشغال الذي يطبّل بعض الصهاينة وعلى رأسهم نتنياهو للاستفادة منه يرى آخرون داخل الكيان أنه يحمل في طيّاته مخاطرة كبيرة قد تجعل منه غير ذي جدوى. فالقرار بضمّ أراضٍ عربية جديدة إلى كيان الاحتلال سيؤدي إلى تفاقم النقمة الشعبية على التطبيع مع الكيان، وسيعيد لمّ الشمل حول فلسطين وحقّ الشعب في أرضه وكرامته، وسيزيد من تضامن الجماهير المناصرة لفلسطين مع بعضها على مستوى عالميّ لا يطيقه الإسرائيلي الذي يخشى من الدعاية المضادة التي تفضح ممارساته وتعرّي ثقافته وتضعضع أساسته.

ضمن هذا السياق المحلي والعربي والدولي يأتي قرار الضم الجائر واللاإنساني ليكون استكمالًا طبيعيًا لنهج الاحتلال في قضم أراضي الفلسطينيين وتوسيع كيانه على حساب آلام أصحاب الأرض، هو استمرارٌ لنهج الجشع في السياسة والعسكر والأمن والإدارة وكل ما هو مرتبط بواقع الاحتلال. فأين يا ترى ستقف حدود هذا الجشع؟ وأي سبلٍ يمكن فعلاً أن تعتمد لكبحه؟ وهل لا زال الحكّام العرب يصدّقون أنّ شيئًا من مصالح بلادهم يمكن أن تكون عبر مصافحة اليد الإسرائيلية التي لم ترشح منذ 70 سنةً إلّا دمًا وغدرًا؟