بقلم: عبدالله الموسوي باحث في القضية الفلسطينية عضو الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين دولة الكويت
قبل عام تقريباً، حدثت في الكويت مفارقتان تلخّصان الصراع الحادّ ما بين دعاة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي من الكويتيين والرافضين له.
المفارقة الأولى تصدّى لها الداعية الإسلامي الكويتي الشيخ مشاري العفاسي المعروف بتوجهاته السلفية والذي يحظى بقبول واسع في دول الخليج العربي حيث يصل عدد متابعي حسابه على منصة تويتر إلى 14 مليون متابع. حيث قال في مجموعة تغريدات لاقت أصداءً واسعة -وأذكر هنا ما قاله بالنص بدون أي تحريف أو تعديل-:
“المقدّسات مكّة والمدينة والأقصى خطّ أحمر عند كلّ مسلم! لكن متى ندرك أن تحرير المقدسات لا يأتي بسنوات من الشجب والتنديد، بل برجوعنا إلى ديننا (إن تنصروا الله ينصركم)، تنصروا الله وليس عروبتكم وقومياتكم وتحزباتكم وأيديولوجياتكم”. وأكمل دعوته التطبيعية في إطار ديني بالقول: “إنّ التطبيع ليس مصطلحًا شرعيًا، بل هو مصطلح سياسيّ مطّاط غير منضبط. أمّا الصلح فهو من هدي النبيّ في حال الضعف، كما فعل في صلح الحديبية مع المشركين، حتى فتح مكة … المشركون أعظم جرمًا من أهل الكتاب، كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله وغيره، وقد صالح النبي يهود المدينة أيضّا وغيرَهم للمصلحة العامة، وهذا خير من الحال الذي عليه نحن الآن”.
وبعد تعرّضه لهجوم واسع، خصوصًا من أتباع حركة الإخوان المسلمين التي وجّه لها الاتهامات بشكل علني، خفّف العفاسي من مستوى الهجوم ولكنّه أصرّ على التطبيع بقوله : “لا تزايدوا علينا في ديننا يا إخوان فنحن لا نوافق ولم نوافق على التطبيع والاعتراف بإسرائيل! والأولى بكم قبل التكهّن والتوقع وتصديق شائعة تطبيع السعودية أن تنكروا وتشنّعوا على من طبّع وصرّح بالتعامل معها! والقول بالهدنة والصلح ليس تطبيعًا واعترافًا وإقرارًا بحقّ إسرائيل”.
هذا التسويق العلني للتطبيع جاء من خلفية إسلامية لاقت قَبولاً لدى البعض ورفضًا لدى آخرين.
وفي الوقت نفسه، كانت الفرق الرياضية الكويتية تشارك في بطولات إقليمية وعالميّة في الرياضات المختلفة، وحدث أن أوقعت القرعة أو التصفيات لاعبين كويتيين في مقتبل العمر لمواجهة لاعبين من الكيان الصهيوني، وهنا جاءت المفارقة.
فقد رفض جميع اللاعبين – بغض النظر عن انتمائهم المذهبي أو التزامهم الديني- مواجهة لاعبي الكيان الصهيوني واعتبروه نوعًا من أشكال التطبيع الرياضي مع من يحتلّ أرض فلسطين.
وقد ألتقيت بأغلب هؤلاء اللاعبين الشباب اللّذين لم تتجاوز أعمارهم الـ25 عامًا وجلست معهم ووجدت أن قرارهم نابع من عدم اعترافهم بشرعيّة دولة الاحتلال وأنّ قبولهم مبدأ اللعب معهم يعتبر مقدمة لتطبيع أكبر، وهم لا يرغبون أن يكونوا شركاء في هذا الأمر المشين.
لاحظت على وجوه هؤلاء الشباب عدم الندم لما قاموا به ووجدت في كلامهم الفخر والاعتزاز بتصرفهم وهو الامر الذي أعطاني الأمل بأن موجة التطبيع لا زالت عاجزة عن إقناع الشباب الكويتي حتى الآن.
ما سبق كان مجرّد استعراض سريع للصّراع الذي تعيشه دولة الكويت وهي نموذج مصغّر للصراع الأكبر الذي تعيشه دول مجلس التعاون الخليجي مع الأخذ بالاعتبار أنّ هامش الحريات في الكويت متقدّم بمراحل عديدة عن باقي الدول الخليجية.
الشعوب الخليجية بشكل عام ترفض التطبيع والسلام مع الكيان المحتل الغاصب لأرض فلسطين، ولكنّ الآلة الإعلامية الموجّهة لترويج التطبيع بشكل ناعم ضخمة واحترافية في تسويقها لمشروع تهيئة العقل الخليجي لقبول وجود علاقات طبيعية مع المحتلّ تحت مبرّرات عديدة أخطرها التسويق من منطلق ديني.
ونحن في الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين نسعى بالإمكانيات المتاحة لبيان خطورة التطبيع ليس على فلسطين فقط بل على العالم الإسلامي ككلّ من خلال إقامة الفعاليّات الثقافية والإعلامية التوعوية. وقد كان لي شرف إصدار كتاب العام الماضي بعنوان :(كويتي ضد التطبيع) بيّنت فيه خطورة التطبيع وأبرزت المواقف الكويتية الرسمية والأهلية الرافضة للسلام مع العدو الصهيوني.
إن مشروع التطبيع قادم بقوة وفق مخططات مدروسة تستهدف جميع دول العالمَين العربي والإسلامي، والتركيز الآن على الشعوب بشكل أكبر إذ أنّ الحكومات العربية أغلبها تتبع مصالحها الآنية ولا مشكلة جوهرية لدى معظمها في التطبيع.
يبقى رهاننا معقودًا على وعي أبناء الأمّة لخطورة هذا المشروع. ومن هنا فإنّ الدور الكبير الذي تمارسه الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين في مختلف دول العالم هو جزء من مشروع توعية الأمّة لا يمكن التقليل من أهميته ويجب دعمه بكل ما أوتينا من إمكانيات.
ختاماً، رسالة من قلب محبّ لشعب فلسطين ومؤمن بعدالة القضية التي هي قضيتنا جميعًا: يجب على وسائل الإعلام في فلسطين المحتلة على وجه الخصوص عدم توجيه سهام النقد القاسي والتعميم على دول الخليج كلما ظهر مطبّع خليجي هنا أو هناك. هذا التعميم القاسي والجارح في أحيان كثيرة لن يحقق الهدف وهو التركيز على النماذج الإيجابية وعدم إعطاء حجم ومساحة إعلامية للنماذج السلبية بما قد يشكل خدمة للاحتلال وتسويقًا لمشروعه.
فليعلم اخوتنا الفلسطينيون أنّ هذه الفئة المحدودة هي الشاذّة عن توجّهات عموم الشعوب الخليجية المحبة والمؤمنة بعدالة قضيتنا المركزية. فكما أن في فلسطين نفسها قام جزء من الشعب بالتطبيع مع العدو، نحن يجب علينا تسليط الضوء على النماذج الإيجابية في فلسطين التضحية والإباء، وما أكثرها. هي كلمة من محبّ وأرجو أن يتسع القلب لها.
بقلم: عبدالله الموسوي
باحث في القضية الفلسطينية
عضو الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين
دولة الكويت