البطولة الحقيقية ليست في نقطة إضافية يحتسبها الحكم لك في لعبة أولمبية، بل هي الثبات على موقفٍ مبدئيّ محقّ ولو كان العالم كلّه – بمن فيهم الاتحاد العالميّ لرياضة أفنيت شبابك في احترافها – ضدّك. البطولة هي الثبات والتحدّي ولو جرّدك هذا الأمر من فرصة نيل ميدالية ذهبية في أولمبياد طوكيو، مع ما لذلك من تبعات وفرص ومكاسب ماديّة ومعنوية ضخمة. البطولة هي أن تقول لا، حين يكون المطلوب منك أن تتنازل أمام سطوة اللوبي الصهيوني على سياسات الرياضة العالمية، وتتنكّر لحقوق أهلك وشعبك وتنسى تضحياتك آبائك وأجدادك. الجزائري فتحي نورين بطل حقيقي وعن جدارة قلّ نظيرها.

إذ إن هذا البطل لم ينتظر فوزه بمباراته الأولى حتى يتّخذ قراره البطولي. مباشرة وبمجرّد أن وضعته القرعة في المباراة الأولى في منافسات الجودو (وزن 73 كلغ) أمام لاعب من السودان ثم في المباراة الثانية في مواجهة محتملة أمام لاعب من كيان الاحتلال، حتى قرّر سريعاً بأنه لن يخوض الأولمبياد. لم تكن هذه المرة الأولى التي يتّخذ فيها نورين هذا الموقف المشرّف برفض اللعب أمام لاعبين من كيان الاحتلال، بل سبق أن فعل ذلك 3 مرات قبلها.

البطل مع فريقه

الكلّ يعلم مدى أهمية التواجُد في حدث مثل الأولمبياد، والكلّ يعلم مدى المجهود والتعب اللذين يبذلهما اللاعب للوصول إلى الأولمبياد، بالإضافة إلى التحديات الصعبة التي يخوصها اللاعب ليتمكّن من التواجد في الأولمبياد، لكن نورين لم يسأل عن كل ذلك، لم يهتم لكلّ ذلك، ضحّى بكلّ ذلك من أجل أن ينتصر لفلسطين.

هذا يتأكّد من كلمات هذا البطل بعد قراره البطولي حيث قال: “صحيح أنها الألعاب الأولمبية ولكن إن شاء الله يعوضنا ربّنا. من واجبنا تجاه القضية الفلسطينية التي هي فوق كل شيء أن ننسحب بمواجهة لاعب يحمل علم إسرائيل”.

وما يجعل من قرار نورين أكثر أهمية أنه كان يمكن أن يحصل على ميدالية في أولمبياد طوكيو خصوصاً أنه بطل أفريقيا، لكن ما نفْع الميداليات، حتى لو كانت ذهبية، إذا كان اللاعب سيخذل فلسطين.

يمكن القول أن ما فعله هذا البطل الجزائري لم يوجّه من خلاله لكمة فقط إلى كيان الاحتلال، بل إلى كل أنظمة التطبيع وآخرها اتفاق التطبيع العار الإماراتي والبحريني – “الإسرائيلي”. إذ بدا واضحاً أن هذه الأنظمة بعد هذه الاتفاقات فتحت الأبواب أمام كافة أشكال التطبيع وبينها في الرياضة من خلال لعب المباريات أمام فرق ولاعبين من كيان الاحتلال واستضافتهم وكذلك من خلال الاستثمار وغير ذلك.

كذلك، فإن خطوة نورين هذه تحمل أهمية لأنها في الأولمبياد، ذلك أنها ترسخ في أذهان الأجيال العربية ويكون لها تأثيرها في النفوس، كما أنها تؤكّد على الثوابت بأن فلسطين فوق كل شيء، كما قال البطل الجزائري.

كذلك فإن هذا الموقف في الأولمبياد يوجّه أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية نظراً للمتابعة الكبيرة في أرجاء العالم للأولمبياد.

كما أن نورين كان مجدّداً وفياً لثوابت ومبادىء بلده الجزائر برفض التطبيع ودعم ومساندة القضية الفلسطينية، وهذا ما رأيناه في الكثير من المرات وخصوصاً في الرياضة، وما حصل أيضاً بعد الأحداث الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح والضفة والعدوان على غزة حين هبّ نجوم الرياضة الجزائريون تضامناً مع فلسطين وبرز بينهم النجم رياض محرز.