أطفال الحجارة

بهروا الدّنيا؛

وما في يَدِهِم الا الحِجارة!

وأضاءوا كالقَناديل وجاءوا كالبشارة..

قاموا وانفجروا واستُشهِدوا!

يا تلاميذ غزة!

علمونا بعض ما عندكم فإنا نسينا؛

علمونا كيف الحجارة تغدو،

بين أيدي الأطفال ماساً ثمينا..

كيف تغدو دراجة الطفل لغماً

وشريط الحرير يغدو كميناً!

نِزار قبَّاني (أطفَال الحِجارة)

انتِفاضةُ الحِجارة العُنوان العَريض والأبرَز للانتِفاضة الفِلسطينيّة، الّتي اندلعت عام ١٩٨٧ بعدَ أكثَر مِن عِشرين عامًا مِن الاحتِلال الاسرائيلي لِكامِل فِلسطين عام ١٩٦٧.

كانَت الانتفاضة الأولى (انتفاضَة الحِجارة) نَتيجةً لِشعور الفلسطينيين بِتنامي الاضطِهاد والتّنكيل والانتِهاكات الّتي تَقوم بِها سُلُطات الاحتلال وحِرمانِهم المُستَمِر مِن أَبسط حُقوقِهم الحياتيّة، واستِباحة دِمائِهم دون أدنى حِساب..

اتقدت الشَّرارة الأولى لانتِفاضَة الحِجارة اثرَ حادِث دَهس العُمّال الفلسطينيين في مدينةِ “جباليا”، في قِطاع غزّة حيثُ تعمّد مُستوطن يَقود شاحِنة، دهس عُمّال عائِدين لِبُيوتِهِم مَساء ٨ كانون الثّاني عام ١٩٨٧ ونَجم عن ذلِك استِشهاد ٤ من ضُمنِهم؛ عِندها حاوَلت قُوّات الاحتِلال تِبيانَها على أنَّها حادِثة دهسٍ عرضيّة لكِن الأَمر تَطوَّر لِلحديث على أنَّها انتِقام لقريب مستوطن تعرّض للطعن في غزّة.

إلا أنَّ تِلك الأسباب لم تحول دونَ اندِلاع الانتِفاضة؛ و مَا لبِثَت الأحداث أن تطَوّرت في اليَوم التّالي بَعد خُروج الجَنازات مِن جباليا، لِتَتسِع المُواجهات مَع قوّات الاحتِلال وتَوالي سُقوط اصابات وشُهداء مِمَّا ساهَم في اشتِعال مناطِق القِطاع والضّفة الغربيّة و تزايُد الطّلب على الدّعم في صُفوف الاحتلال لإخماد حالة الغضب المُتصاعِدة بعد اتِّساع رُقعة المُواجهة وبالرُّغم من الاستِنفار الاسرائيليّ الكَبير الا أنَّ القِيادات العَسكريّة لَم تُعطِيها الكَثير مِن الأهمِيّة حيثُ توقّعت انحِسارها خِلال فَترةٍ قصيرة.

 لكِنَّ تِلك التّوقُّعات خَابت؛ وعِندها بِشكلٍ مُفاجِئ اعتَلى عددٌ مِن الشُّبّان السّيارات العسكريّة وكانَ هُناك حَركة مُفاجِأة لِطُلَّاب الجَامِعات في غَزّة حَيثُ خَرجوا إلى الشَّوارِع لِلتَّحريض على التَّظاهُر واِعلان الاضراب العامّ؛

 هذهِ الحادِثة خير تطبيق لقَول الشَّهيد المُثقّف المُشتبك “باسِل الأعرَج”:

“بدّك تصير مُثقّف بدّك تصير مُثقَّف مشتبك ما بدّك تشتبك بلا منّك وبلا مِن ثقافتك…”

بَعدَ اعلان الاضراب العَامّ كانَت هُناك حالةُ رَفضٍ كَبير مِن غالِبِيّة العُمَّال الفِلسطيني حِيال التّوجُّه لِأعمالِهم وذَلِك خِلال الأيَّام الأُولى للانتِفاضة. عِندها شُلَّت الحَياة العَامَّة وأُغلِقَت المَحلّات التِّجاريّة الأمر الَّذي استَفزّ الحُكومة الاسرائيلِيّة فاتَخَذ رَئِيسها آنذاك العَديد مِن القَرارات القَاسِية لِقمع الانتفاضة واخمَاد حَالة الغَضَب الَّتي تَسُود الجانِب الفِلَسطِينِيّ؛ حَيثُ أَطلَق رَئِيس الحُكومة آنذاك السِّياسَة الشَّهيرة المَعروفة باسم “تَكسير الأَيدي والأرجُل” بِهدف اعادة فَرض الهُدوء وانهاء المُواجَهات.

وكان للإعلام دَورٌ كَبير فِي هذهِ الانتِفاضة حيثُ قام َمُصَوّر اسرائيليّ بالتِقاط مَشاهد مُروِّعة لِجُنود إسرائيليين يَقومون بِتحطيم أيدي وأرجُل فِتية فلسطينيين في أحد جِبال نابلس، ما أثار الرَّأي العامّ الدّولي حِيال الانتِهاكات الاسرائيلية لِلفِلَسطينيين وأَوقَد حالة الغَضب في نُفوسِهِم.

لِقمع الانتِفاضة استَعان جُنود الاحتِلال بِما يُعرَف بِقُوَّات حَرس الحُدود وزَعَمت الحُكومة الاسرائِيليّة اصدار قَواعد لِلتعامُل مَع الحُشود المُواجِهة؛ لكِنَّ تِلك القَواعِد كانَت وَهمِيّة ومَزاعِم لا وُجُود حَقيقِيّ لها وكان الجُنود يَتَعمَّدون إطلاق النَّار على رؤوس وصُدور الفِلسطينيين بِشَكلٍ مُباشر فَنَجم عن ذلِك عَدَدٌ كَبير مِن الشُّهداء الأبرار بالإضافة الى عَدد مِن الجرحى أصحَاب الاصَابات الخَطِيرة..

تَميّزَت الانتِفاضة الأُولى (اِنتفاضة الحِجارة) باعتِماد الفِلسطِينِيين المُواجهة المُباشَرة مَع جُنود الاحتِلال عَبر الرَّشق بالحِجارة وقَطع الطُّرُقات أَمام قوّات الاحتِلال بالدَّواليب المُشتَعِلة ولُجوئِهم الى سِياسَة شلّ الحَياة العَامَّة والعُصيان المَدني والاضرابات عَن الأَعمَال، حيثُ استَفزَّت كُل مِن تِلكَ السِّياسات الاحتِلال بِشكلٍ كَبير ودفعهُ الى تَوقِيفها بالقُوَّة.

لَكِن على الرُّغمِ مِن ذلِك، قام الاحتِلال بِمُحاصرة الفِلسطِينيين اقتِصادِيًّا عبرَ مَجالات عَديدة كمُصادرة المَساحات الواسِعة وحِرمان الفِلسطِينِيين مِن الأراضي المُنتِجة زِراعيًا ومُصادرة الاموال وسَرِقة البَضائِع التِّجاريّة لِلتُّجار الّذين يُقدِمون على الاضراب واعتِماد العُملاء لِلقيام بِحرق المَحلَّات المُساهِمة في الانتِفاضة الأمر الذي ألحَق خَسائِر جَسيمة بالتُّجار الفِلسطينيين والعَديد مِن الأعمَال،

مِن أَجل خَلق وَضع اقتِصادي صَعب بِهدف اِجبار الفِلسطِينِيين على التّراجُع عن الانتِفاضة..

وكذلِك فَقد أَقدم الاحتِلال على هَدِم البُيوت بِحِجج أَمنيَّة وحوّل العَديد مِنها لِنِقَاطٍ عَسكريّة وابتَكر أَساليب جَديدة لِمنع الفِلسطِينيين مِن البِناء، وهّدم البُيوت بِحجّة عدم التّرخيص.

أمَّا بالنِسبة لِضحايا القَمع الاسرائيلي للانتِفاضة فقد بَلغت حَصِيلة الشُّهداء أكثَر مِن ١١٦٢ شَهيد بِحسَب العَديد مِن التَّقدِيرات وحَوالي ٩٠٠٠٠ جَريح نتِيجة استِخدام الرَّصاص المَطّاطي وعمليّات التّنكيل والتّعذيب وكذَلِك كان للأطفَال العددُ الكَبير ضُمن عَديد الجَرحى والشُّهداء..

وتمّ اعتِقال ما يُقارِب ال ٦٠٠٠٠ فِلسطِينِيّ مِن القُدس والضّفة والقِطاع؛ أَمام هَذا العَدد الهائِل مِن الأسرى اضطُر الاحتِلال الى افتِتاح سُجون جَديدة مِثل سِجن كَتسيعوت في صَحراء النقب وذلك عام ١٩٨٨.

كانَت الانتِفاضات الفِلسطينيّة الَّتي توحَّد فيها الشعب الفلسطيني الأَكثر تأثيرًا على المُستوى الفِلسطِيني والعَربيّ والدُّوليّ؛ نَجحَت هذهِ الانتِفاضة لأنَّها جَمعت الفِلسطِينيين يداً بيد في وجه العدو الصهيوني.

ولا تَزال تُمثِّل واحِدة مِن أهَم نَماذِج الكِفاح؛ وصَدرت العَديد مِن الكُتُب العَربيّة والأجنبِيَّة حَول الانتِفاضة كَشكل جَديد لِلمُقاومة والنضال.


فاطمة حسن سلمان| طالبة صحافة لبنانية