جدار، وقضبان وأسلاك، وبين الظلام والظلم، ووجهها المنير في عبسة السجان، هي تتربع بين جدارين لا يتسع عرضهما لشخصين، بينما تنام امهاتنا ليلا وحدها الاسيرات تحرسنا بعينها وتقاوم خفافيش الليل في الظلمات. من بين الكثير من الاسيرات الفلسطينيات اللواتي يقاومن في سجون العدو، هي الأسيرة المقدسية اسراء جعابيص الام المقاومة التي مازالت تنتظر عودة طفلها من المدرسة بعد أن أحرق قلبها قبل جسدها، وبعد ان اخفت الحياة ملامحها.
في اليوم الحادي عشر من شهر تشرين الاول عام 2015 تعود اسراء من عملها وفي طريقها الى منزلها في جبل المكبر في القدس، اشتعلت أنبوبة غاز في السيارة، وما ان تأخر الاسعاف حتى باتت اسراء بين يد السجان وتحت طلقات نيرانه، نقلت بعدها الى مستشفى هداسا عين كارم في القدس، بعد ان أصيبت بحروق خطيرة في جسدها بالكامل ووجهها وفقدت 8 من اصابع يدها، ولا ننكر الاهمال الطبي الممنهج في السجون.

فالعدو دائما يبحث عن مخرجات لقضايا الأسرى، ربما في حياتهم أو مشاكلهم العائلية أو في كل ما يشغل الرأي العام وينسينا أن هناك أسير يقبع في سجنه الظالم وفي زنزانته وعلى أرض ليست ملكا له ولا بشبر بها. ومع كل هذا الجسد المحروق، هنا اسراء تقاوم بالفكرة.
وفي حديث مع إحدى الأسيرات المحررات من سجون العدو تقول بابتسامة فخر، ” اسراء كانت تعمللنا صوف وتطريز بالسجن رغم انه كل أصابعها محروقة”، تضيف بضحكة” ما بنسى لما كانت تخيط لباس المهرج وتخبيهم عن السجان وتعمللنا حفلة ومسرحيات عالعيد”.
فحين تقاوم لا يهم ماذا تملك الأهم قاوم ما استطعت، لو احرقوا كل ما فيك قاوم، بعينك التي تسهر ولا تكن رقما. وذكر الأسير احمد سعدات في كتاب صدى القيد” لا تسمح للسجن بالتسلل الى داخلك، وتذكر عند أي منعطف صعب، إنك لا تمثل نفسك وحدك، بل تمثل شعبك”.
ومع كل ما تعانيه اسراء من أوجاع شتى واهمال طبي، وما يعانيه الكثير من الأسرى، لا تسمع المنظمات الدولية لها صدى، كأن الانسانية لا تشملهم، وحدهم الاسرى من يقرعون جدار السجان، ليعلنوا اذان الحرية فالجلاد هنا بوحشية الكوابيس لكنه هش وستنهض منه ويرحل.
على الرغم من كل الاسلاك والحديد والجدران المحيطة بهم، وزنازين العزل التي تنخفض أمتارا عن سطح الأرض الا ان قوة الأسرى وصبرهم، وما نسمع عن حكاياتهم ومقاومتهم تجعلنا نكمل الطريق، وتعلو أصواتنا لمناصرتهم، فهذا الأسر تحول رغم قضيب الجلاد الى مكتبة، ومدرسة وجامعة تخرج المتعلمين المقاومين، كمثل اسراء التي تصنع الصوف وغيرها من علم درسا في اللغات الاجنبية، فالعتمة هنا تحولت الى نور يقاوم حتى يكسر القيد، ويخرق الضوء كل اسلحة الظلم.
شذى مروان عبدالعال| صحافية فلسطينية